لا يكاد يمر إنسانٌ في دون التعرض لبعض الأزمات، فسنة الله في الحياة أن يتعرض البشر لهزات ووقفات وإبتلاءات، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. الملك-2.
وأحيانا تتكاثف الغيوم وتكاد الرؤية أن تنعدم وتصبح أقصى الأماني أن يبرق شعاع أو أن يلوح ولو ضوء خافت في الأفق يعلن عن بداية الإنفراج.
وعادة ما تنبثق الأزمة من موقف، والموقف يكون تبعا لحدث، ولكل حدث زمان ومكان، والذي يُحوِّل الحدث إلى أزمة أننا نظن أن هذا الحدث قد ضاق به الزمان وعجز عن إستيعابه مكان، فيبدأ في التحول إلى حلقات محكمة تكاد تطيح بالإنسان فلا يجد مخرجًا ولا يلمح فرجًا.
ومحاولة تصنيف الأزمات إلى: مادية، وإجتماعية، وسياسية، ونفسية، وأخلاقية، وعقائدية، لا ينفى أنها قد ترتبط جميعا ببعضها البعض، وهذا الإرتباط لا يقويها بل على العكس يوهنها ويرسم طريقًا لمواجهتها والخروج منها.
ويختلف الحكم على الأزمات تبعًا لإختلاف البشر في التفكير وطريقة تناول الأمور، بل إن نظرة أحدنا لما يمر به آخر من أزمة، هي في حد ذاتها إحدى نعم الخالق على عباده المؤمنين، حيث يعين الناس بعضهم البعض، ويتواصون بالحق والصبر، ويجد اليائس لدى غيره أملًا يقويه ويرشده.
ولا توجد خطة واحدة ثابتة للخروج من الأزمات، فهي تختلف في نوعيتها، كما تختلف معاناة الأشخاص حسب ظروفهم وطبيعتهم، ولكن الأصل أن يبحث كلٌ منّا بداخله عن وسائل الدفاع لمواجهة أزماته، وأولها الإيمان بالله والثقة في رحمته وفرجه.
وعدم وجود خطة ثابتة لمواجهة الأزمات، لا يعني أنه لا توجد خطوط عريضة تساعد على عبورها، ونظرًا لإختلاف طبيعة المرأة وأدوارها عن الرجل، فقد وهبها الله عاطفة جياشة تجعل من الصعب عليها أحيانا إتخاذ قرار يمليه عليها تفكيرها وحساباتها العقلية، فنراها تقدم خطوة وتتراجع أخرى، أضع بين يديكِ أيتها الأخت الفاضلة بعض التوصيات والخطوط العريضة للتعامل مع الأزمات.
= كيف تواجهين الأزمة؟
1= عليك دائما أن تحيطي تعاملاتك مع نفسك ومع الآخرين بسياج من مراقبة الله، والحفاظ الدائم على تنقية هذه العلاقة من الشوائب التي قد تعلق بها بين الحين والآخر، فهذا غالبا ما يكون بمثابة الوقاية من تأزم المواقف والأحداث، وحتى إن تأزمت فستكون الصلة بالله هي الحبل المتين الذي لابد من التمسك به وطوق النجاة الذي لا يخيب، ومن هنا فإن أصعب الأزمات هي التي توهن من هذه العلاقة ولا سبيل لمعالجتها إلا بالعودة إلى الفطرة وطلب المغفرة من الغفور الرحيم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا».
2= إعلمي أن الأزمات غالبًا ما تفرض على العقل والقلب الكثير من التساؤلات والإستفسارات، ويدور فيها الصراع بين العقل والقلب، ويود كلا منهما أن يُسكت صوت الآخر، وكلما طال هذا الصراع كلما طال أمد الأزمة، فالعقل يرى أنه الجدير بالحل، وأن عليه أن ينحي صوت القلب، ويأبى القلب إلا أن يلقى بظلاله على محاور الحل.
وحتى يكون الخروج من الأزمة آمنا.. فإن على العقل ألا يكسر القلب، وعلى القلب أن يراعى نداء العقل.
وأنت أيتها المرأة الفاضلة إعلمي أن الله الذي وهبك تلك العاطفة التي لا تهمل مشاعر الآخرين وتضعهم في الحسبان عند اتخاذ القرارات، قد حباكِ أيضًا بذكاء أنثوي يُمكنك من السباحة في أمواج وعواصف الأزمات وأن تخرجي منها سالمة بمن معك، ففي يديكِ بفضل الله مفاتيح النجاة والأمان والدفء والإحتواء.
3= لابد لكِ بعد التوكل على الله الذي لا حول ولا قوة إلا به أن يكون لك صحبة من الأخيار العقلاء الرحماء -لا يهم عددهم- يكونون لك بمثابة مستشارين وأعوان، فمن كان بعيدا عن الأزمة يستطيع أن يرى الصورة بشكل أوضح وأن يوفق إلى الصواب.
إحرصي في مواجهة الأزمة أن تحاولي وقف التفكير فيها بعض الوقت بالخروج في نزهة، أو اللقاء بصحبة طيبة، أو الإسترخاء، فوقف التفكير في الأزمة لبعض الوقت يعين على إستئنافه فيما بعد بذهن صافي وصدر منشرح.
4= لا يخفى أن الخروج من الأزمة نعمة يمن بها الله علينا، كما أن المنحة نفسها يخرج منها منحًا عديدة، فهي تزيدك بصيرة وتكسبك تجربة وخبرة، لذا فإن عليك الشكر وتأمل الفوائد.
5= إذا كانت أزمتك تتعلق بشخص يشاركك الحياة من زوج أو والدين أو أبناء أو أقارب فلا تهملي وأنت تتخذين التدابير لمواجهتها الإستجابة إلى أمر الله بالعفو والصفح وطلب المغفرة من الله.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة المراة.